*حكومتنا علينا وليست معنا* *بقلم علي خيرالله شريف* تعطلت لغة الكلام، وجف حبر الأقلام، ولم يعد يهمنا الإنصات إلى المحللين وا

عاجل

الفئة

shadow
*حكومتنا علينا وليست معنا*

*بقلم علي خيرالله شريف*

تعطلت لغة الكلام، وجف حبر الأقلام، ولم يعد يهمنا الإنصات إلى المحللين والسياسيين والاقتصاديين، فقد أضحينا في قعر الهاوية، مهما اجتهد البعض بالتفسير. حصار وانهيار وحرب شعواء، وحكومتنا مُسَجَّاة على النعش، أو بالأحرى هي تُسَجي شعبها على المشرحة، وتوَثِّقُ أطرافَه جيِّداً كي لا يقاوم ولا يحاول الإفلات من الجلاد. ليس هذا وحسب، بل حكومتنا تساعده وتشارك في الإجهاز علينا، ونحن لا نحرك ساكناً، بل نستسلم بكامل الطاعة والانصياع.
سمعنا اليوم أن دولة رئيس الحكومة يبحث في عقد جلسة لحكومة تصريف الأعمال ليبحث الانهيار الاقتصادي، وكأنه قد عَلِمَ لِلتَّوِّ بمصابنا الأليم. سبحان الذي خلقه، ذكرني برئيسِ حكومةٍ سابق عندما كان لا يعلم بسعر ربطة الخبز. مسكينٌ رئيس حكومتنا، فهو آخر من يعلم، وكيف يعلم وهو من بيئةٍ مخملية لا تأكل إلا بملاعق من ذهب، ولا تهزه مصائب الدنيا إن وقعت على رؤوسنا. لا ندري ماذا يفعل رئيس حكومتنا هذا غير استرضاء السفراء والأمراء ودوائر المخابرات الدولية. لا ندري ماذا تنفع حكومة ميقاتي، لغاية الآن لم نرَ منها إلا شهادة الزور على الانهيار، بل هي تلعب دور الميسر للانهيار. لم نسمع أن حكومةً في بلد معين لا دور لها إلا إفقار شعبها وتدمير اقتصاد بلدها على كل المستويات، وتسمي ذلك "خطة التعافي الاقتصادي". لم نسمع إلا في لبنان عن حكومةٍ تتآمر على شعبها بدل أن تكون سنداً له.
من يظن أن الأزمة ستُحَلُّ قريباً فهو واهم؛ الليرة لن تتعافى، والدولار سيبقى محلقاً فوق السحاب، وربما هم يتابعون إسقاط الليرة لكي يصلوا إلى المليون مقابل الدولار. ولقمة العيش تتضاءل، والمجاعة تتوسع، والوضع الأمني ينفلت أكثر فأكثر، والسرقات تزدهر، وجرائم القتل والانتحار تتزايد.

اللبنانيون ينتظرون الفرج من الخارج، والخارج هو مصدر مصائبهم. للخارج مطالب، ولن يتركنا لشأننا إلا برضوخنا لمطالبه التي هي استسلامنا له بالكامل ومد أعناقنا له لكي يذبحنا؛ أتعلمون لماذا؟ لأن له ثأراً عندنا أننا بإرادتنا ووطنيتنا ووحدتنا انتصرنا على جبروته. ولأننا استطعنا بانتصارنا أن نسبح في نهر الوزاني، وأن نتنزه على ضفافه. وجميعنا يعلم ماذا يعني ذلك.
يا ليت المحللين، بدل أن يحللوا على الشاشات والصفحات، حركة الليرة والدولار، أن يحللوا الأساليب التي تمكننا من أن نحفر ثغرةً في الجدار ونوايا السياسيين والبيادق. يا ليتهم يبحثون بعبقريتهم، في مسألة القيام بعملية سياسية ربما تكون بمفهوم البعض مغامرة، تهدف إلى إيجاد طريقة إبداعية لخرق الحصار واستخراج الغاز، والتوجه شرقاً رغم ممانعة البعض، وبتشكيل مجموعات ضغط على الحكومة بهذا الاتجاه. فلن تجدينا نفعاً ودائع الغرباء في بنوكنا ما دمنا لا انتاج لدينا. ولن تجدينا نفعاً الاستدانة من البنك الدولي، لأن يوم سداد الدين سيكون أشد سواداً من القطران، وأكثر مرارةً من العلقم، وأضنى تعباً من يوم الحساب، لأن من سيحاسبنا يوم سداد الدين لا يعرف الرحمة ولا الرأفة.

لقد أوصلونا إلى عنق الزجاجة، فأصبحت الأزمات متسلسلة ومتلاحقة ومترابطة، وصارت كلها مشروطة ببعضها، وكل شرط متعلق بعُقَد مركبة عصية على الحل.
فوق كل ذلك، الكل تتراءى له أشباحٌ لأسباب الأزمة، وتراه غارقاً في أوهام الحلول؛ فمثلاً الكل يتراءى له أن انتخاب رئيس للجمهورية سيؤدي إلى البدء بحل للأزمة، مع العلم أن رئيس الجمهورية بحد ذاته يعاني من أزمات متشابكة، فهو لا صلاحيات له، ولن يكون بمقدوره صنع المعجزات، وهو سيتم محاربته من الفريق الآخر الذي لا ينتمي إليه، والتجربة علمتنا أن وجود رئيس للجمهورية لن يغير من الواقع شيئاً.
في بداية الربيع الكل يتوهم أملاً بالمستقبل، ونحن لم ننسَ الأمس القريب عندما نسجوا لنا آمالاً مزيفة ووعوداً بالغاز والكهرباء من مصر والأردن وجعلونا نتخلى عن آبار نفطنا لعدونا، ولم تكن سوى خدعة أوقعونا فيها ونحن لم نشعر بها بعد، ولم نحرك ساكناً بينما الغاز والنفط يُسحبُ من تحتنا.

لا أمل لنا بالخروج من عنق الزجاجة ما دمنا خانعين لنفس الطقم الحاكم من الفاسدين ولنفس النظام المليء بالعيوب والفضائح والفجوات، وما دمنا ننتظر الفرج من الخارج، أي من نفس الجهات التي تضيق علينا وتخنقنا.

الثلاثاء ٢١ آذار ٢٠٢٣

الناشر

1bolbol 2bolbol
1bolbol 2bolbol

shadow

أخبار ذات صلة